عملاق الصحافة العربية " محمد حسنين هيكل "
يعد محمد حسنين هيكل من أنبغ عمالقة الصحافة والسياسة على مستوى العالم ..
فقد اكتسب مكانته الى جوار الرواد فى مجال الصحافة والتحليل السياسي
وكتاباته تعد المرجع الرئيسي لطلاب الخفايا فى السياسة والتاريخ السياسى ..
ومظاهر نبوغه لا تؤذن بحصر أبدا ..
فهو الصحفي والسياسي الوحيد الذى عايش أزمات العالم الكبري عبر القرن الماضي وكتب عنها من خلال نافذة الرؤية التى توفرت له ..
حتى فى كتاباته التحليلية التى يتناول فيها أحد الجوانب التاريخية البعيدة عن حضوره .. فهو يعوض عدم المعايشة والمعاصرة بالجسد الى معايشة بالفكر والوثائق..
ومن المشهور عنه أنه كنز الأسرار الذى لا ينضب أبدا ..
فما ان يشرع فى التصدى لحادثة ما .. يقضي قرابة العام أو أكثر فى التنقل والسفر والبحث ومقابلة الحضور لهذا الحدث .. ويجمع عبر شبكة علاقاته المهولة كل الأدلة والوثائق والشهود مستعينا فى ذلك بصداقاته المتعددة لنجوم العالم فى السياسة والأدب والفكر ..
ثم يبدأ فى الكتابة والتحليل لما تحت يده من معلومات غزيرة ..
ولذلك فقد عرف عنه عالميا .. أنه الكاتب الوحيد الذى لا تستطيع الطعن فى حقيقة الوقائع والأحداث لما يضمنه فى كتاباته من وثائق وشهادات
غير أنه يمكن الاختلاف معه فى زاوية الرؤية والتحليل
البداية
كانت بداية الكاتب والسياسي الكبير محمد حسنين هيكل فى قريته البسيطة بالريف المصري مع مكتبة ذاخرة متوارثة جيلا بعد جيل من الأجداد الى الأحفاد ..
وبدافع النبوغ المبكر طرقها الطفل الصغير ليبدأ رحلته مع الثقافة والفكر ..
وعندما شب الطفل وبلغ أوائل العشرينات من عمره .. انطلق الى القاهرة حيث الأضواء والأحداث مع نهاية أربعينيات القرن الماضي ..
وفى جريدة " الاجيبشيان جازيت " الناطقة بالانجليزية فى القطر المصري بدأ عمله الصحفي متدربا على يد رئيس تحريرها هو بعض الصحفيين المصريين والعرب ليصبح كل منهما علم فى مجاله فيما بعد ..
وفى ميدان المراسلة الحربية انطلق هيكل بحماس الشباب الوافر .. ولغة وأسلوب بارع يحلل وينقد الأوضاع الساخنة فى بؤر الأزمات المشتعل فى ذلك الوقت فى جميع أنحاء العالم ..
ومع بدء حركات التحرر فى العالم العربي .. وصعود نجوم جدد لساحة العمل السياسي واشتعال الصراع بين الاخوان المسلمين والملك فى مصر وأزمة حزب الوفد مع القصر .. ونشأة حركة الضباط الأحرار فى الجيش المصري العائد من رحى حرب فلسطين وحريق القاهرة ..
كل هذا الزخم فى الأحداث .. وبدافع القدر وحده وجد هيكل نفسه فى قلب الأحداث مشاركا لا مشاهدا ..
وتوثقت علاقاته بالضابط المصري زعيم تنظيم الأحرار البكباشي " المقدم " جمال عبد الناصر حسين " ورفاقه أنور السادات وعبد الحكيم عامر وغيرهم ..
ولم تمض على علاقته بعبد الناصر أكثر من عام .. الا وكانت مصر على موعد مع انقلاب يوليو 1952 الذى تحول فيما بعد الى مسمى الثورة ..
ونقطة علاقته بعبد الناصر كانت نقطة فاصلة فى حياة الصحفي الناشئ الذى انتقل من الجازيت الى آخر ساعة واحتك بمؤسسها الكبير محمد التابعى .. حيث قامت علاقته بعبد الناصر على الاحترام والاعجاب المتبادل ..
وانتقل هيكل الى مؤسسة أخبار اليوم .. بعد أن انتقلت ملكية آخر ساعة من محمد التابعى الى الأخوين مصطفي وعلى أمين .. ولم يكن عمر هيكل فى ذلك الوقت أكثر من ثلاثة وعشرين عاما عندما أصبح رئيسا لتحرير آخر ساعة .. وواصل قلمه الصعود حتى تمكن عبد الناصر فى أحداث عام 1954 م .. من اقصاء محمد نجيب عن السلطة ليتولى الحكم رئيسا للجمهورية ..
وهنا كانت النقلة والنقطة التالية من النقاط الفرقة فى حياة هيكل
فى جوارالسلطة
عندما تولى جمال عبد الناصر سلطة الحكم فى مصر كانت علاقته بهيكل قد اكتسبت عرى الصداقة والثقة التى لا تنفصم .. فكان صديقا ومستشارا لعبد الناصر .. وكان أحد نجوم معركة السويس التى تفجرت فيها قنبلة التأميم ..
وفى ذلك الوقت كانت أخبار اليوم كمؤسسة صحفية كبري قد اكتسبت معظم نجوم الجيل من الصحفيين وعلى رأسهم هيكل .. والى جوارها كانت الأهرام أعرق المؤسسات الصحفية فى حالة أشبه بالاحتضار على النحو الذى دفع أصحابها اللبنايين من ورثة " آل تقلا " الى اللجوء لهيكل طمعا فى موافقته على الانتقال للاهرام واقالتها من عثرتها .. ونظرا للعلاقة الحميمة التى كانت بين هيكل وبين أصحاب أخبار اليوم مصطفي وعلى أمين رفض هيكل الانتقال تماما .. وشيئا فشيئا استجاب للضغوط وقرر الانتقال للأهرام .. غير أن الخبر تسرب الى آل أمين الذين ضيقوا الخناق على هيكل وفى وسط جلسة عاطفية شديدة عاد هيكل لرفض طلب الأهرام ..
الا أن هيكل وبعد عام من هذه الواقعة وتحت تأثير المتغيرات قبل العرض القديم وانتقل فى سرية تامة الى الأهرام ولم يعرف أحد بشئ عن الخبر الا بعد أن أصبح هيكل رئيسا لتحرير الأهرام بالفعل ..
وتمضي السنوات .. وتتألق الأهرام فى ثوبها الجديد .. ثم يصدر عبد الناصر قانون تنظيم الصحافة والذى أمم به الصحف وانتقلت ملكيتها نهائيا الى الدولة فى صدمة فكرية للجميع قبل أن تكون مادية مع ما يعنيه القانون بخضوع الصحافة لمكتب الرقيب التابع للدولة مما يعنى قطعا بزوال حرية النقد والرأى ..
وعارض هيكل القانون واحتج لدى صديقه عبد الناصر .. غير أن عبد الناصر نفذ القانون بوعد شخصي منه لهيكل ألا يعتبر القانون حجر عثرة فى طريق حرية الرأى .. وهو ما لم يحدث للأسف ..!!
ولم تكن تلك الواقعة آخر المفاجآت .. حيث لم يمض الوقت الكثير حتى تفجرت قضية أثارت الزوابع فى الوسط الصحفي على مستوى العالم العربي ..
فقد ألقت المخابرات العامة المصرية القبض على مصطفي أمين صديق هيكل ورئيس تحرير أخبار اليوم متلبسا بالتجسس على مصر لحساب المخارات المركزية الأمريكية عن طريق ضبطه بنقل المعلومات أثناء جلوسه فى فيلته بضاحية المعمورة بالاسكندرية الى رجل المخابرات الأمريكية " بروس تايلور أوديل "
ولما كان عبد الناصر يدرك عمق العلاقة بين هيكل وبين مصطفي أمين بعث اليه قبل القبض على الأخير وطلب اليه التوجه الى مدير مكتبه سامى شرف فهناك أشياء يحب أن يطلعه عليها .. ثم أشار لهيكل وقال " بعد أن تطالع ما هو موجود تعال الى فورا "
وتعجب هيكل جدا .. غير أنه هرع الى مكتب سامى شرف والذى دعاه للجلوس فى احدى الحجرات الملحقة بمكتبه .. وعندما جلس هيكل أتى له سامى شرف بملف بالغ الضخامة قرابة الألف صفحة وعددا من أشرطة التسجيل وطلب اليه مطالعة محتواها ..
وقضي هيكل الليلة كاملة يطالع ويستمع وكادت الصدمة تودى بعقله .. غير أنه عاد لعبد الناصر مدمرا نفسيا فطلب اليه عبد الناصر تولى مسؤلية دار أخبار اليوم مع الأهرام ..
ولأن القصة ليس هذا مكانها .. فلن أغرق فى التفاصيل ومن يرغب فى الاستزادة عليه بمطالعة انكار مصطفي أمين ودفاعه عن نفسه فى كتبه سنة أولى سجن وسنه تانية سجن .. ومطالعة دفاع هيكل عن نفسه وبيانه الحقيقة كاملة بالمستندات فى حياة أصحابها حتى يكفل لهم حق الرد وذلك فى كتابه القنبلة " بين الصحافة والسياسة " والذى صدر عام 1985م .. ليكتم مصطفي أمين لسانه .. وكان هيكل يتوقع منه رفع قضية رد شرف أو قضية سب وقذف الا أنه لم يفعل ..
سنوات الغضب
وتأتى سنوات الغضب فى حياة الصحفي الكبير بعد أحداث 1967م وما أعقبها من وفاة عبد الناصر وظهور مطامع خلفائه فى الحكم وهم مراكز القوى كما أطلق عليهم أنور السادات وهم
سامى شرف وزير شئون رياسة الجمهورية
الفريق محمد فوزى وزير الحربية
اللواء شعراوى جمعه وزير الداخلية
على صبري رئيس اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى
محمد فائق وزير الاعلام
بمعنى أن مراكز القوى كانت تملك سلطة البلاد ومؤسساتها الكبري ولم يكن السادات يمتلك شيئا الا وجود محمد حسنين هيكل الى جواره .. وتأمل هيكل الوضع وقام باعداد الخطة لمواجهة الموقف العصيب .. وشيئا فشيئا بدأت الخطة باستمالة اللواء الليثي ناصف قائد الحرس الجمهورى .. والفريق محمد صادق رئيس الأركان بالقوات المسلحة .. وقامت الخطة على أساس متين وهو مقولة هيكل " يجب أن يكون الأمر أمام الشعب صراعا على الديمقراطية لا صراعا على السلطة "
ونجحت الخطة الى أبعد مدى وتم القاء القبض على مراكز القوى جميعا لينجح السادات فى الصعود لسدة الحكم على أكتاف هيكل
واستمرت العلاقة بين الاثنين على أحسن ما يكون وكان هيكل مستشار السادات الأمين وأحد القلائل والندرة الذين عرفوا بموعد حرب أكتوبر وشاركوا فى رسم خطته الاستراتيجية والاعلامية ..
ولم يدر بخلد هيكل قبل الحرب أن السادات كأول رئيس سياسي بالمفهوم الصحيح لمصر قد رسم لنفسه خطا مختلفا تمام الاختلاف عن سلفه .. وظهرت بوضوح بعد أكتوبر التى منحت السادات الثقة فبدأ الحركة فى اتجاه هدم صورة عبد الناصر وانتهاج الخط الأمريكى دون علم مستشاره وصديقه هيكل ..
وفوجئ هيكل بالأمر .. ورأى الهجوم الضارى والفضائح الأمنية والمهازل العسكرية التى حدثت أيام عبد الناصر كلها تظهر فى حملة شبه منظمة من المستحيل أن تتم دون سماح مسبق من السلطة فى دولة بوليسية ..
وقبل أن يفكر هيكل فى الرد .. فوجئ أيضا بقرار نقله من وظيفته كرئيس لمؤسسة وتحرير الأهرام .. لينتقل وفقا للقرار الجمهورى المفاجئ الى قصر عابدين مستشارا سياسيا لرئيس الجمهورية على درجة نائب رئيس وزراء ..
وكان رفض هيكل قاطعا ..
ومع القرار الغبي الذى اتخذه السادات بمنع هيكل من الكتابة بمصر .. أعلن هيكل رفضه على صفحات جريدة " الصنداى تايمز " البريطانية قائلا
" ان الرئيس السادات يستطيع أن يقول لى اخرج من الأهرام .. لكنه لا يستطيع أن يقول لى أين أذهب بعد ذلك .. هو اختار لى القصر الجمهورى .. وأنا اخترت بيتى وكتبي "
واتسعت الهوة بمراحل مع استمرار سياسة السادات فى قلب المائدة على رأس عبد الناصر وسياسته الخارجية اللصيقة بالولايات المتحدة .. ليعتكف هيكل ويتفرغ لكتبه التى كانت تنشر خارج مصر وتمنع من التداول فى وطنه ..
وبلغت الأزمة ذروتها مع قرارات سبتمبر 1981م والتى قام السادات باعتقال حوالى 2100 شخصية من كبار الشخصيات السياسية والدينية فى مصر وكان على رأسهم هيكل .. ومن ضمنهم عبد القادر حاتم رئيس الحكومة السابق والبابا شنوده وشيخ الأزهر وغيرهم
ووضح للجميع أن السادات قد غلبته عصبيته وتخلى عنه ذكاؤه اللامحدود ويكفيه فى ذلك اعتقال هيكل وحده .. مخزن الأسرار وقنبلة الأفكار ..
ومع اغتيال السادات .. كان أول قرار لرئيس الجمهورية الجديد حسنى مبارك قرار افراجه عن المعتقلين فى حوادث سبتمبر واستقبل صفوة شخصياتهم فى القصر الجمهورى ..
وبعد سنوات أربع .. تم رفع الحظر عن هيكل لتصدر كتبه فى مصر ويبدأ فى الرد على الهجوم الكاسح الذى استمر لعشر سنوات تقريبا بتحريض من السادات وقيادة الأخوين أمين بعد أن تم الافراج عن مصطفي أمين افراجا صحيا ضمن قرار الافراج عن العديد من جواسيس اسرائيل وأمريكا !!
وقد تعمد السادات الافراج عن مصطفي أمين بهذا الشكل حتى لا جرؤ على رفع عينه كما قال لهيكل قبيل قرار الافراج ..
وكانت أولى ضربات هيكل الصاعقة .. ضربته للسادات .. والتى صارت مثلا مشهودا لقوة ناب هيكل ومدى فداحة خطأ السادات باستعدائه
وهذا ما سأتناوله معكم فى رحلة الكتابة لهيكل
رحلة الكتابة
الكتابة عند هيكل فن راق .. وانجازات فكرية لا تقدر بثمن أبدا .. وله فلسفته الخاصة جدا فى الرواية التاريخية والسياسية ..
فهو العملاق الذى اذا تناول موضوعا ما .. لا يجرؤ غيره على الكتابة فى ذات الموضوع لما عرف عن هيكل من قدرات خارقة فى البحث والتقصي بالشكل الذى لا يدع مجالا لغيره فى الحديث
وكما سبق القول ..
من الممكن أن نختلف مع هيكل فى التحليل والرؤية لحدث معين .. لكننا لا نستطيع التشكيك مطلقا فى صحة الحدث ذاته ..
ولذلك فلا عجب أن هيكل بكنوزه التى يمتلئ بها عقله وذاكرته من وقائع الأحداث وأطنان الوثائق السرية التى لا تتوافر لجهاز مخابرات كامل .. لا عجب اذا أنه تبوأ مكانة كبري بين رواد السياسيين والمفكرين على مستوى العالم أجمع ..
ومن المعروف أن محمد حسنين هيكل يكتب مؤلفه بالانجليزية للطبعة الدولية وتتولى نشر أعماله أكبر دار نشر فى العالم وهى دار " هابر كولينز " بالولايات المتحدة الأمريكية .. والتى تملك حق توزيع كتبه بكل لغات العالم ..
وقبل عام 1982 م ..
كان هيكل يكتفي بكتابة المؤلف بطبعته الانجليزية ثم تصدر الطبعات فى دول العالم بلغات مختلفة مترجمة على يد متخصصين .. بما فى ذلك الطبعة العربية
الا أنه مع مقدم عام 1982 م وشروع هيكل فى كتابة قنبلته " خريف الغضب " ذلك الكتاب الذى تناول فيه قصة أحداث العصر فى مصر ونيران الغضب التى صاحبت عصر السادات للرد على هذا الأخير ,
توقف هيكل كثيرا أمام اسناد الترجمة لغيره خاصة للعربية .. فالموضوع الذى يتناوله الكتاب حساس للغاية وبالتالى اتخذ قراره بترجمة الكتاب الى طبعته العربية بنفسه وهو المنهج الذى اتخذه بعد ذلك فى جميع اصداراته بعد خريف الغضب
عيون كتاباته
كتابات هيكل متنوعة وبالغة الثراء بين المقالات والبحوث والكتب الا أننا سنتوقف عند عيون هذه الكتب التى تعد بحق التراث التاريخى السياسي للوطن العربي والشرق الأوسط مثل
(1) كتاب " ايران فوق بركان "
وهو الكتاب الذى صدر عقب ثورة محمد مصدق رئيس الوزراء الايرانى الذى اتخذ قرار تأميم صناعة البترول فى ايران لضرب الولايات المتحدة وكيفية فشل ثورة مصدق بعد تدخل الولايات المتحدة مباشرة لحماية رضا بهلوى رجلها الأثير فى المنطقة ..
(2) كتاب " مدافع آية الله "
وهو الكتاب الذى عالج ثورة الخمينى الناجحة فى ايران عام 1979 م وهو كتاب رهيب تعرض للتفاصيل الدقيقة فى الثورة التى قادها الامام الشيعى " آية الله الخمينى " من باريس ونجح فى الاطاحة بحكم الشاه محمد رضا بهلوى واعلان الدولة الشيعية فى ايران وهى الوقائع التى تمثل تحليلا دقيقا لدوافع الثورة وكيفية نجاحها من المهجر .. والأهم من ذلك أنه يوضح بالاستدلات المنطقية كيف أن الدول العربية لا يمكن أن تسمح تركيبتها السياسية بمثل نجاح ثورة مماثلة لثورة الخمينى
(3) رباعية "حرب الثلاثين سنة "
وهى المراجع الأربعة التى تتناول تاريخ المنطقة العربية سياسيا فى الفترة من نهاية الحرب العالمية الثانية حتى حرب أكتوبر .. حيث صدر الجزء الأول تحت عنوان " ملفات السويس " ويتناول فيه هيكل قصة حرب 1956م وتأميم قناة السويس مع التعرض للقلاقل السياسية التى ضربت الامبراطورية البريطانية اثر انسحاب " ونستون تشرشل " من الحكم بعد الحاح من رجال حزبه ليصعد لمقعد رياسة الحكومة " أنتونى ايدن " الذى كان يشغل منصب وزير الخارجية وهو رئيس الوزراء البريطانى الذى تحالف مع " جى موليه " رئيس الحكومة الفرنسية " و" دافيد بن جوريون " رئيس الحكومة الاسرائيلة ليخرج الى النور عدوان الثلاثي الغاشم فى حرب السويس .. أما الجزء الثانى والثالث وهما على التوالى كتاب " سنوات الغليان " وكتاب " الانفجار " فهما اللذان تناولا قصة حرب 1967م وفيهما من الحقائق والوثائق ما هو كفيل بقتل روح التفاؤل فى جميع شعوب الدول العربية مع المهازل التى كانت تحدث باسم العروبة أما الجزء الرابع والأخير فهو كتاب " السلاح والسياسة " والذى تناول فيه قصة حرب أكتوبر كاملة .. مع ضرورة الأخذ فى الاعتبار أن كتاب الانفجار الذى انتهى عند حدوث واقعة النكسة 1967م لم يرو شيئا عن فترة الاستنزاف .. والجزء الرابع بدأ فعليا من يوم السادس من أكتوبر مباشرة ولم يكن هذا قصورا من هيكل بل منع تكرار لأنه تناول قصة حرب الاستنزاف واعادة بناء الجيش فى كتاب منفرد صدر عام 1975م بعنوان " الطريق الى رمضان "
(4)ثلاثية المفاوضات السرية بين العرب واسرائيل
وقد صدرت فى التسعينيات فى ثلاثة أجزاء الجزء الأول منها تحت عنوان " الأسطورة والامبراطورية والدولة اليهودية " يتناول فيها الفكرة الأساسية التى قامت عليها اسرائيل ومن صاحب الفكرة الأولى فى اختيار فلسطين موضعا لدولة اليهود ويكشف هيكل هنا معلومة غائبة عن الكثير وهى أن الفكرة بدأ بالفعل على يد نابليون بونابرت .. وليس كما هو معروف أن وعد بلفور هو البانى الحقيقي لفكرة الدولة اليهودية اذ أن وعد بلفور وزير الخارجية البريطانى فى حكومة الحرب العالمية الأولى كان هو اللبنة الأخيرة فى فكرة الدولة اليهودية
والجزء الثانى من الثلاثية العملاقة صدر تحت عنوان " عواصف الحرب وعواصف السلام " وفيه يعالج الفترة الحرجة من الخمسينيات الى منتصف السبعينيات وكيفية الرفض العربي لمبدأ التفاوض ثم كيفية التورط فى التفاوض بعد ذلك مضمنا كتابه حقائق الحكام العرب وأدوارهم التى لعبوها وفى أذهانهم مصالحهم الشخصية حتى ولو كانت على حساب العروبة التى تغنوا بها ليلا ونهارا .. ثم الجزء الثالث بعنوان " سلام الأوهام " والتى يتعرض فيها للفترة من الثمانينيات حتى منتصف التسعينيات ووقائع اتفاقية سلام الأوهام فى أوسلو وما كان فيها ومنها من كوارث تسبب فيها من كانوا مناضلين بالأمس وتحولوا الى
يعد محمد حسنين هيكل من أنبغ عمالقة الصحافة والسياسة على مستوى العالم ..
فقد اكتسب مكانته الى جوار الرواد فى مجال الصحافة والتحليل السياسي
وكتاباته تعد المرجع الرئيسي لطلاب الخفايا فى السياسة والتاريخ السياسى ..
ومظاهر نبوغه لا تؤذن بحصر أبدا ..
فهو الصحفي والسياسي الوحيد الذى عايش أزمات العالم الكبري عبر القرن الماضي وكتب عنها من خلال نافذة الرؤية التى توفرت له ..
حتى فى كتاباته التحليلية التى يتناول فيها أحد الجوانب التاريخية البعيدة عن حضوره .. فهو يعوض عدم المعايشة والمعاصرة بالجسد الى معايشة بالفكر والوثائق..
ومن المشهور عنه أنه كنز الأسرار الذى لا ينضب أبدا ..
فما ان يشرع فى التصدى لحادثة ما .. يقضي قرابة العام أو أكثر فى التنقل والسفر والبحث ومقابلة الحضور لهذا الحدث .. ويجمع عبر شبكة علاقاته المهولة كل الأدلة والوثائق والشهود مستعينا فى ذلك بصداقاته المتعددة لنجوم العالم فى السياسة والأدب والفكر ..
ثم يبدأ فى الكتابة والتحليل لما تحت يده من معلومات غزيرة ..
ولذلك فقد عرف عنه عالميا .. أنه الكاتب الوحيد الذى لا تستطيع الطعن فى حقيقة الوقائع والأحداث لما يضمنه فى كتاباته من وثائق وشهادات
غير أنه يمكن الاختلاف معه فى زاوية الرؤية والتحليل
البداية
كانت بداية الكاتب والسياسي الكبير محمد حسنين هيكل فى قريته البسيطة بالريف المصري مع مكتبة ذاخرة متوارثة جيلا بعد جيل من الأجداد الى الأحفاد ..
وبدافع النبوغ المبكر طرقها الطفل الصغير ليبدأ رحلته مع الثقافة والفكر ..
وعندما شب الطفل وبلغ أوائل العشرينات من عمره .. انطلق الى القاهرة حيث الأضواء والأحداث مع نهاية أربعينيات القرن الماضي ..
وفى جريدة " الاجيبشيان جازيت " الناطقة بالانجليزية فى القطر المصري بدأ عمله الصحفي متدربا على يد رئيس تحريرها هو بعض الصحفيين المصريين والعرب ليصبح كل منهما علم فى مجاله فيما بعد ..
وفى ميدان المراسلة الحربية انطلق هيكل بحماس الشباب الوافر .. ولغة وأسلوب بارع يحلل وينقد الأوضاع الساخنة فى بؤر الأزمات المشتعل فى ذلك الوقت فى جميع أنحاء العالم ..
ومع بدء حركات التحرر فى العالم العربي .. وصعود نجوم جدد لساحة العمل السياسي واشتعال الصراع بين الاخوان المسلمين والملك فى مصر وأزمة حزب الوفد مع القصر .. ونشأة حركة الضباط الأحرار فى الجيش المصري العائد من رحى حرب فلسطين وحريق القاهرة ..
كل هذا الزخم فى الأحداث .. وبدافع القدر وحده وجد هيكل نفسه فى قلب الأحداث مشاركا لا مشاهدا ..
وتوثقت علاقاته بالضابط المصري زعيم تنظيم الأحرار البكباشي " المقدم " جمال عبد الناصر حسين " ورفاقه أنور السادات وعبد الحكيم عامر وغيرهم ..
ولم تمض على علاقته بعبد الناصر أكثر من عام .. الا وكانت مصر على موعد مع انقلاب يوليو 1952 الذى تحول فيما بعد الى مسمى الثورة ..
ونقطة علاقته بعبد الناصر كانت نقطة فاصلة فى حياة الصحفي الناشئ الذى انتقل من الجازيت الى آخر ساعة واحتك بمؤسسها الكبير محمد التابعى .. حيث قامت علاقته بعبد الناصر على الاحترام والاعجاب المتبادل ..
وانتقل هيكل الى مؤسسة أخبار اليوم .. بعد أن انتقلت ملكية آخر ساعة من محمد التابعى الى الأخوين مصطفي وعلى أمين .. ولم يكن عمر هيكل فى ذلك الوقت أكثر من ثلاثة وعشرين عاما عندما أصبح رئيسا لتحرير آخر ساعة .. وواصل قلمه الصعود حتى تمكن عبد الناصر فى أحداث عام 1954 م .. من اقصاء محمد نجيب عن السلطة ليتولى الحكم رئيسا للجمهورية ..
وهنا كانت النقلة والنقطة التالية من النقاط الفرقة فى حياة هيكل
فى جوارالسلطة
عندما تولى جمال عبد الناصر سلطة الحكم فى مصر كانت علاقته بهيكل قد اكتسبت عرى الصداقة والثقة التى لا تنفصم .. فكان صديقا ومستشارا لعبد الناصر .. وكان أحد نجوم معركة السويس التى تفجرت فيها قنبلة التأميم ..
وفى ذلك الوقت كانت أخبار اليوم كمؤسسة صحفية كبري قد اكتسبت معظم نجوم الجيل من الصحفيين وعلى رأسهم هيكل .. والى جوارها كانت الأهرام أعرق المؤسسات الصحفية فى حالة أشبه بالاحتضار على النحو الذى دفع أصحابها اللبنايين من ورثة " آل تقلا " الى اللجوء لهيكل طمعا فى موافقته على الانتقال للاهرام واقالتها من عثرتها .. ونظرا للعلاقة الحميمة التى كانت بين هيكل وبين أصحاب أخبار اليوم مصطفي وعلى أمين رفض هيكل الانتقال تماما .. وشيئا فشيئا استجاب للضغوط وقرر الانتقال للأهرام .. غير أن الخبر تسرب الى آل أمين الذين ضيقوا الخناق على هيكل وفى وسط جلسة عاطفية شديدة عاد هيكل لرفض طلب الأهرام ..
الا أن هيكل وبعد عام من هذه الواقعة وتحت تأثير المتغيرات قبل العرض القديم وانتقل فى سرية تامة الى الأهرام ولم يعرف أحد بشئ عن الخبر الا بعد أن أصبح هيكل رئيسا لتحرير الأهرام بالفعل ..
وتمضي السنوات .. وتتألق الأهرام فى ثوبها الجديد .. ثم يصدر عبد الناصر قانون تنظيم الصحافة والذى أمم به الصحف وانتقلت ملكيتها نهائيا الى الدولة فى صدمة فكرية للجميع قبل أن تكون مادية مع ما يعنيه القانون بخضوع الصحافة لمكتب الرقيب التابع للدولة مما يعنى قطعا بزوال حرية النقد والرأى ..
وعارض هيكل القانون واحتج لدى صديقه عبد الناصر .. غير أن عبد الناصر نفذ القانون بوعد شخصي منه لهيكل ألا يعتبر القانون حجر عثرة فى طريق حرية الرأى .. وهو ما لم يحدث للأسف ..!!
ولم تكن تلك الواقعة آخر المفاجآت .. حيث لم يمض الوقت الكثير حتى تفجرت قضية أثارت الزوابع فى الوسط الصحفي على مستوى العالم العربي ..
فقد ألقت المخابرات العامة المصرية القبض على مصطفي أمين صديق هيكل ورئيس تحرير أخبار اليوم متلبسا بالتجسس على مصر لحساب المخارات المركزية الأمريكية عن طريق ضبطه بنقل المعلومات أثناء جلوسه فى فيلته بضاحية المعمورة بالاسكندرية الى رجل المخابرات الأمريكية " بروس تايلور أوديل "
ولما كان عبد الناصر يدرك عمق العلاقة بين هيكل وبين مصطفي أمين بعث اليه قبل القبض على الأخير وطلب اليه التوجه الى مدير مكتبه سامى شرف فهناك أشياء يحب أن يطلعه عليها .. ثم أشار لهيكل وقال " بعد أن تطالع ما هو موجود تعال الى فورا "
وتعجب هيكل جدا .. غير أنه هرع الى مكتب سامى شرف والذى دعاه للجلوس فى احدى الحجرات الملحقة بمكتبه .. وعندما جلس هيكل أتى له سامى شرف بملف بالغ الضخامة قرابة الألف صفحة وعددا من أشرطة التسجيل وطلب اليه مطالعة محتواها ..
وقضي هيكل الليلة كاملة يطالع ويستمع وكادت الصدمة تودى بعقله .. غير أنه عاد لعبد الناصر مدمرا نفسيا فطلب اليه عبد الناصر تولى مسؤلية دار أخبار اليوم مع الأهرام ..
ولأن القصة ليس هذا مكانها .. فلن أغرق فى التفاصيل ومن يرغب فى الاستزادة عليه بمطالعة انكار مصطفي أمين ودفاعه عن نفسه فى كتبه سنة أولى سجن وسنه تانية سجن .. ومطالعة دفاع هيكل عن نفسه وبيانه الحقيقة كاملة بالمستندات فى حياة أصحابها حتى يكفل لهم حق الرد وذلك فى كتابه القنبلة " بين الصحافة والسياسة " والذى صدر عام 1985م .. ليكتم مصطفي أمين لسانه .. وكان هيكل يتوقع منه رفع قضية رد شرف أو قضية سب وقذف الا أنه لم يفعل ..
سنوات الغضب
وتأتى سنوات الغضب فى حياة الصحفي الكبير بعد أحداث 1967م وما أعقبها من وفاة عبد الناصر وظهور مطامع خلفائه فى الحكم وهم مراكز القوى كما أطلق عليهم أنور السادات وهم
سامى شرف وزير شئون رياسة الجمهورية
الفريق محمد فوزى وزير الحربية
اللواء شعراوى جمعه وزير الداخلية
على صبري رئيس اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى
محمد فائق وزير الاعلام
بمعنى أن مراكز القوى كانت تملك سلطة البلاد ومؤسساتها الكبري ولم يكن السادات يمتلك شيئا الا وجود محمد حسنين هيكل الى جواره .. وتأمل هيكل الوضع وقام باعداد الخطة لمواجهة الموقف العصيب .. وشيئا فشيئا بدأت الخطة باستمالة اللواء الليثي ناصف قائد الحرس الجمهورى .. والفريق محمد صادق رئيس الأركان بالقوات المسلحة .. وقامت الخطة على أساس متين وهو مقولة هيكل " يجب أن يكون الأمر أمام الشعب صراعا على الديمقراطية لا صراعا على السلطة "
ونجحت الخطة الى أبعد مدى وتم القاء القبض على مراكز القوى جميعا لينجح السادات فى الصعود لسدة الحكم على أكتاف هيكل
واستمرت العلاقة بين الاثنين على أحسن ما يكون وكان هيكل مستشار السادات الأمين وأحد القلائل والندرة الذين عرفوا بموعد حرب أكتوبر وشاركوا فى رسم خطته الاستراتيجية والاعلامية ..
ولم يدر بخلد هيكل قبل الحرب أن السادات كأول رئيس سياسي بالمفهوم الصحيح لمصر قد رسم لنفسه خطا مختلفا تمام الاختلاف عن سلفه .. وظهرت بوضوح بعد أكتوبر التى منحت السادات الثقة فبدأ الحركة فى اتجاه هدم صورة عبد الناصر وانتهاج الخط الأمريكى دون علم مستشاره وصديقه هيكل ..
وفوجئ هيكل بالأمر .. ورأى الهجوم الضارى والفضائح الأمنية والمهازل العسكرية التى حدثت أيام عبد الناصر كلها تظهر فى حملة شبه منظمة من المستحيل أن تتم دون سماح مسبق من السلطة فى دولة بوليسية ..
وقبل أن يفكر هيكل فى الرد .. فوجئ أيضا بقرار نقله من وظيفته كرئيس لمؤسسة وتحرير الأهرام .. لينتقل وفقا للقرار الجمهورى المفاجئ الى قصر عابدين مستشارا سياسيا لرئيس الجمهورية على درجة نائب رئيس وزراء ..
وكان رفض هيكل قاطعا ..
ومع القرار الغبي الذى اتخذه السادات بمنع هيكل من الكتابة بمصر .. أعلن هيكل رفضه على صفحات جريدة " الصنداى تايمز " البريطانية قائلا
" ان الرئيس السادات يستطيع أن يقول لى اخرج من الأهرام .. لكنه لا يستطيع أن يقول لى أين أذهب بعد ذلك .. هو اختار لى القصر الجمهورى .. وأنا اخترت بيتى وكتبي "
واتسعت الهوة بمراحل مع استمرار سياسة السادات فى قلب المائدة على رأس عبد الناصر وسياسته الخارجية اللصيقة بالولايات المتحدة .. ليعتكف هيكل ويتفرغ لكتبه التى كانت تنشر خارج مصر وتمنع من التداول فى وطنه ..
وبلغت الأزمة ذروتها مع قرارات سبتمبر 1981م والتى قام السادات باعتقال حوالى 2100 شخصية من كبار الشخصيات السياسية والدينية فى مصر وكان على رأسهم هيكل .. ومن ضمنهم عبد القادر حاتم رئيس الحكومة السابق والبابا شنوده وشيخ الأزهر وغيرهم
ووضح للجميع أن السادات قد غلبته عصبيته وتخلى عنه ذكاؤه اللامحدود ويكفيه فى ذلك اعتقال هيكل وحده .. مخزن الأسرار وقنبلة الأفكار ..
ومع اغتيال السادات .. كان أول قرار لرئيس الجمهورية الجديد حسنى مبارك قرار افراجه عن المعتقلين فى حوادث سبتمبر واستقبل صفوة شخصياتهم فى القصر الجمهورى ..
وبعد سنوات أربع .. تم رفع الحظر عن هيكل لتصدر كتبه فى مصر ويبدأ فى الرد على الهجوم الكاسح الذى استمر لعشر سنوات تقريبا بتحريض من السادات وقيادة الأخوين أمين بعد أن تم الافراج عن مصطفي أمين افراجا صحيا ضمن قرار الافراج عن العديد من جواسيس اسرائيل وأمريكا !!
وقد تعمد السادات الافراج عن مصطفي أمين بهذا الشكل حتى لا جرؤ على رفع عينه كما قال لهيكل قبيل قرار الافراج ..
وكانت أولى ضربات هيكل الصاعقة .. ضربته للسادات .. والتى صارت مثلا مشهودا لقوة ناب هيكل ومدى فداحة خطأ السادات باستعدائه
وهذا ما سأتناوله معكم فى رحلة الكتابة لهيكل
رحلة الكتابة
الكتابة عند هيكل فن راق .. وانجازات فكرية لا تقدر بثمن أبدا .. وله فلسفته الخاصة جدا فى الرواية التاريخية والسياسية ..
فهو العملاق الذى اذا تناول موضوعا ما .. لا يجرؤ غيره على الكتابة فى ذات الموضوع لما عرف عن هيكل من قدرات خارقة فى البحث والتقصي بالشكل الذى لا يدع مجالا لغيره فى الحديث
وكما سبق القول ..
من الممكن أن نختلف مع هيكل فى التحليل والرؤية لحدث معين .. لكننا لا نستطيع التشكيك مطلقا فى صحة الحدث ذاته ..
ولذلك فلا عجب أن هيكل بكنوزه التى يمتلئ بها عقله وذاكرته من وقائع الأحداث وأطنان الوثائق السرية التى لا تتوافر لجهاز مخابرات كامل .. لا عجب اذا أنه تبوأ مكانة كبري بين رواد السياسيين والمفكرين على مستوى العالم أجمع ..
ومن المعروف أن محمد حسنين هيكل يكتب مؤلفه بالانجليزية للطبعة الدولية وتتولى نشر أعماله أكبر دار نشر فى العالم وهى دار " هابر كولينز " بالولايات المتحدة الأمريكية .. والتى تملك حق توزيع كتبه بكل لغات العالم ..
وقبل عام 1982 م ..
كان هيكل يكتفي بكتابة المؤلف بطبعته الانجليزية ثم تصدر الطبعات فى دول العالم بلغات مختلفة مترجمة على يد متخصصين .. بما فى ذلك الطبعة العربية
الا أنه مع مقدم عام 1982 م وشروع هيكل فى كتابة قنبلته " خريف الغضب " ذلك الكتاب الذى تناول فيه قصة أحداث العصر فى مصر ونيران الغضب التى صاحبت عصر السادات للرد على هذا الأخير ,
توقف هيكل كثيرا أمام اسناد الترجمة لغيره خاصة للعربية .. فالموضوع الذى يتناوله الكتاب حساس للغاية وبالتالى اتخذ قراره بترجمة الكتاب الى طبعته العربية بنفسه وهو المنهج الذى اتخذه بعد ذلك فى جميع اصداراته بعد خريف الغضب
عيون كتاباته
كتابات هيكل متنوعة وبالغة الثراء بين المقالات والبحوث والكتب الا أننا سنتوقف عند عيون هذه الكتب التى تعد بحق التراث التاريخى السياسي للوطن العربي والشرق الأوسط مثل
(1) كتاب " ايران فوق بركان "
وهو الكتاب الذى صدر عقب ثورة محمد مصدق رئيس الوزراء الايرانى الذى اتخذ قرار تأميم صناعة البترول فى ايران لضرب الولايات المتحدة وكيفية فشل ثورة مصدق بعد تدخل الولايات المتحدة مباشرة لحماية رضا بهلوى رجلها الأثير فى المنطقة ..
(2) كتاب " مدافع آية الله "
وهو الكتاب الذى عالج ثورة الخمينى الناجحة فى ايران عام 1979 م وهو كتاب رهيب تعرض للتفاصيل الدقيقة فى الثورة التى قادها الامام الشيعى " آية الله الخمينى " من باريس ونجح فى الاطاحة بحكم الشاه محمد رضا بهلوى واعلان الدولة الشيعية فى ايران وهى الوقائع التى تمثل تحليلا دقيقا لدوافع الثورة وكيفية نجاحها من المهجر .. والأهم من ذلك أنه يوضح بالاستدلات المنطقية كيف أن الدول العربية لا يمكن أن تسمح تركيبتها السياسية بمثل نجاح ثورة مماثلة لثورة الخمينى
(3) رباعية "حرب الثلاثين سنة "
وهى المراجع الأربعة التى تتناول تاريخ المنطقة العربية سياسيا فى الفترة من نهاية الحرب العالمية الثانية حتى حرب أكتوبر .. حيث صدر الجزء الأول تحت عنوان " ملفات السويس " ويتناول فيه هيكل قصة حرب 1956م وتأميم قناة السويس مع التعرض للقلاقل السياسية التى ضربت الامبراطورية البريطانية اثر انسحاب " ونستون تشرشل " من الحكم بعد الحاح من رجال حزبه ليصعد لمقعد رياسة الحكومة " أنتونى ايدن " الذى كان يشغل منصب وزير الخارجية وهو رئيس الوزراء البريطانى الذى تحالف مع " جى موليه " رئيس الحكومة الفرنسية " و" دافيد بن جوريون " رئيس الحكومة الاسرائيلة ليخرج الى النور عدوان الثلاثي الغاشم فى حرب السويس .. أما الجزء الثانى والثالث وهما على التوالى كتاب " سنوات الغليان " وكتاب " الانفجار " فهما اللذان تناولا قصة حرب 1967م وفيهما من الحقائق والوثائق ما هو كفيل بقتل روح التفاؤل فى جميع شعوب الدول العربية مع المهازل التى كانت تحدث باسم العروبة أما الجزء الرابع والأخير فهو كتاب " السلاح والسياسة " والذى تناول فيه قصة حرب أكتوبر كاملة .. مع ضرورة الأخذ فى الاعتبار أن كتاب الانفجار الذى انتهى عند حدوث واقعة النكسة 1967م لم يرو شيئا عن فترة الاستنزاف .. والجزء الرابع بدأ فعليا من يوم السادس من أكتوبر مباشرة ولم يكن هذا قصورا من هيكل بل منع تكرار لأنه تناول قصة حرب الاستنزاف واعادة بناء الجيش فى كتاب منفرد صدر عام 1975م بعنوان " الطريق الى رمضان "
(4)ثلاثية المفاوضات السرية بين العرب واسرائيل
وقد صدرت فى التسعينيات فى ثلاثة أجزاء الجزء الأول منها تحت عنوان " الأسطورة والامبراطورية والدولة اليهودية " يتناول فيها الفكرة الأساسية التى قامت عليها اسرائيل ومن صاحب الفكرة الأولى فى اختيار فلسطين موضعا لدولة اليهود ويكشف هيكل هنا معلومة غائبة عن الكثير وهى أن الفكرة بدأ بالفعل على يد نابليون بونابرت .. وليس كما هو معروف أن وعد بلفور هو البانى الحقيقي لفكرة الدولة اليهودية اذ أن وعد بلفور وزير الخارجية البريطانى فى حكومة الحرب العالمية الأولى كان هو اللبنة الأخيرة فى فكرة الدولة اليهودية
والجزء الثانى من الثلاثية العملاقة صدر تحت عنوان " عواصف الحرب وعواصف السلام " وفيه يعالج الفترة الحرجة من الخمسينيات الى منتصف السبعينيات وكيفية الرفض العربي لمبدأ التفاوض ثم كيفية التورط فى التفاوض بعد ذلك مضمنا كتابه حقائق الحكام العرب وأدوارهم التى لعبوها وفى أذهانهم مصالحهم الشخصية حتى ولو كانت على حساب العروبة التى تغنوا بها ليلا ونهارا .. ثم الجزء الثالث بعنوان " سلام الأوهام " والتى يتعرض فيها للفترة من الثمانينيات حتى منتصف التسعينيات ووقائع اتفاقية سلام الأوهام فى أوسلو وما كان فيها ومنها من كوارث تسبب فيها من كانوا مناضلين بالأمس وتحولوا الى